ترجمة/ عمرو خليل السعيد
ترجمة مقال لأستاذ الاقتصاد في جامعة جورج ميسن الأمريكية "تايلور كوين" على موقع "بلومبيرغ"، بعنوان:
In a Robot Economy, All Humans Will Be Marketers
إن هذه المخاوف من إمكانية قيام الروبوتات أو البرامج الذكية عموماً، بطردنا جميعاً من العمل، تعد واحدة من الطرف الاقتصادية المهيمنة في عصرنا. لكن هذه التخوفات هي في الحقيقة في غير محلها، إذ من غير المرجح أن نرى هذه البطالة الجماعية بين البشر. لكن ما يمكن أن يحدث هو أن يتحول العمال إلى قطاعات اقتصادية جديدة – مع بعض آلالام الانتقالية – ولكن هذا أمر طبيعي ويحدث دائماً. إن الخطر الحقيقي هو أن هذه الروبوتات سوف تدفع الكثير منا إلى وظائف أقل إنتاجية اجتماعياً، مثل تلك الوظائف المتعلقة بمجال التسويق.
فإذا نظرنا إلى ما حدث خلال فترة التسعينيات من انتشار أجهزة الصراف الآلي، فقد توقع الكثيرون أن هذه الأجهزة سوف تجعل البنوك تستغني عن الكثير من صرافيها، لكن الحقيقة أن هذا لم يحدث، حيث جعلت تلك الأجهزة إقامة فروع جديدة للبنوك أمراً يسيراً وأقل تكلفة، مما دفع البنوك في النهاية إلى توظيف المزيد من الموظفين والصرافين.
ومن الصحيح أن هؤلاء الصرافون باتوا يلعبون دوراً أقل في مجال النقد ومعالجة الودائع، إلا أنهم وكما يوضح الخبير الاقتصادي جيمس بيسن قد أصبحت لديهم قدرات كثيرة في مجال التسويق والتعامل مع عملاء البنوك. الأمر الذي يؤكد أن ما فعلته أجهزة الصراف الآلي ليس طرد هؤلاء الصرافون، ولكن تحويلهم من مجرد صرافين إلى أشخاص أكثر قدرة على التسويق، وهذا الأمر أصبحت البنوك تطلق عليه "فريق العلاقات العامة مع العملاء".
وهذا التحول نحو التسويق بالمفهوم الواسع لهذا المصطلح، لا يتعلق فقط بصرافي البنوك، فقد أصبحت الكثير من الأعمال القانونية تتم من قبل برمجيات ذكية. ولكن ما زالت إقامة علاقات جيدة مع العملاء هو أمر هام للغاية. فعلى الرغم من أن المستشفيات الآن باتت تعتمد على بعض الوظائف الإلكترونية مثل الاعتماد على روبوتات لتلقي شكاوى المرضي وفحصهم، إلا أن هذا لم يلغي دور الأطباء في متابعة المرضى وتوطيد العلاقات معهم. كذلك فإن شركة آمازون باتت تعتمد على الروبوتات لنقل وتخزين البضائع، لكن هذا لا يكفي لإقناع العملاء بشراء تلك البضائع، حيث يبقى هذا هو دور البشر كمسوقين.
وفي إطار هذه الأمثلة السابقة ينبغي النظر إلى المنطق العام في استبدال بعض الأعمال البشرية بالبرمجيات الذكية، فهذه البرمجيات غالباً ما تكون ذكية في القيام بالعديد من الخدمات والمهام، كأن يقوم تطبيق إليكسا بترتيب حزمة من الأغاني المفضلة إليك. ولكن على الرغم من ذلك فإن هذه الآلات ليست فعالة في عمليات الإقناع وتطوير الحملات الدعائية وفي ابتكار علامات تجارية للمنتجات والشركات، أو حتى في مجرد تقديم تحية لك على الباب بطريقة ساحرة، كما يحدث في الكثير من الأحيان في المطاعم. لذا فإن هذه الأنشطة ستظل في نطاق البشر لفترة طويلة قادمة.
ويجدر التساؤل إلى أي مدى يعد التحول من الأعمال التقليدية إلى التسويق هو خطوة للأمام؟ من المؤكد أن الإقناع التجاري سوف يكون مفيد للغاية للكثير من الأعمال، فالعمل على إقناع المستهلكين والعملاء بأهمية المنتجات الجديدة وخصائصها وأهمية استبدالها بالمنتجات التقليدية هو أمر هام للغاية. وعلى سبيل المثال فإن عملية التسويق التي حدثت معي بالانتقال من مشاهدة البيسبول إلى الدوري الأمريكي لكرة السلة للمحترفين كان مثيراً للغاية. وفي بعض الأحيان فإن وجود إعلانات على الرغم من عدم ارتباطها بقيمة إعلانية مباشرة يكون أمر جيد للغاية وأكثر إثارة، فظهور ليبرون جيمس في إعلان ما يرتدي حذاءاً رياضياً معيناً، سوف يدفع الكثير من الناس إلى شراء هذا النوع من الحذاء.
ويمكن القول أن الكثير من عمليات التسويق هي عمليات صفرية أو سلبية المجموع، حيث يحاول المنافسون عبر عمليات التسويق جذب العملاء بعيداً عن منافسيهم، مع محاولة تطوير المنتجات لتصبح متطابقة مع رغبات العملاء. كما أن الكثير من الدعايا والإعلانات تنفق على محاولة إقناع العملاء بأهمية المنتج بالنسبة لهم وبإختلافه عن بقية المنتجات على الرغم من أن هذا لا يكون صحيحاً دائماً. فقد يفضل بعض المواطنين التعامل مع البنوك الوطنية، لمجرد الشعور بأنها تنتمي للوطن، على الرغم من أنها لا تقدم خدمات أفضل من البنوك غير الوطنية. ولهذا نجد أن الشركات العملاقة تعمل في هذا الإتجاه لمحاولة إقناع المستهلكين بإختلاف منتجاتهم عن بقية المنتجات الأخرى أو حتى بإنتماء هذا المنتج إليهم، ولهذا فإن شركة كوكا كولا في إطار تنافسها مع شركة بيبسي قامت بإنفاق حوالي 4 بلايين دولار في العام الماضي على إعلانها العالمي.
وكلما كانت المشروعات تتمتع بوفورات الحجم، وبالتالي بعض الأرباح الاحتكارية، فإن الإنفاق المفرط على عمليات الدعايا والإعلان يمكن أن يحدث، إلا أن هذا لا يعني أن العملاء سوف يستجيبون بنفس الدرجة لهذه الدعايا. ولا يعني تحول الصرافين من معالجة الودائع إلى الترحيب بالعملاء، أن العملاء سوف يكونوا أكثر سعادة من ذي قبل. ولكن على أية حال ستبقي تجربة الذهاب إلى البنك في هذه الحالة أكثر متعة، لاسيما وأن موظفي البنوك سوف يصبحون أكثر خبرة في عمليات التسويق وإقناع العملاء بأهمية الإدخار لديهم. إن هذه الرؤية السابقة تعد متفائلة إلى حد كبير، لكن هناك رؤية أخرى أكثر قتامة، حيث يمكن للكثير من المسوقين أن يقوموا بعمليات الاحتيال، كما فعل من قبل موظفي شركة الخدمات البنكية ويلز فارجو Wells Fargo الذين وقعوا عقود حسابات جديدة لعملاء وهميين.
وفي النهاية لا يجب أن تتفاجئ إذا رأيت الكثير من الروبوتات في الحياة اليومية، أو في القصص الإخبارية، دون أن يصاحب ذلك مكاسب إنتاجية ضخمة في الإحصاءات المنشورة. فهذا هو ما يحدث تماما ً في الاقتصاد الأمريكي الآن.
رابط المقال الأصلى على موقع "بلومبيرغ":
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق