خروج
المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي.. التداعیات والمآلات على اقتصادات دول
الخلیج
یرجع
تاریخ انضمام المملكة المتحدة إلى مشروع الاتحاد الاوروبي إلى العام ١٩٧٣ ،والذي
یضم في الوقت الحالي ٢٨ دولة بعد انضمام كرواتیا كاخر دولة منضمنة في الاول من
یولو من العام ٢٠١٣. وقد انضمت المملكة الى الاتحاد بعد أن أظهرت
أوروبا مؤشرات اقتصادیة جیدة ولكنها عزفت عن الانضمام لمنطقة الوحدة النقدیة أو ما
تعرف بمنطقة الیورو، والتي تضم ١٥ دولة، وظلت محتفظة بالجنیة الاسترلیني كعملة
رسمیة لها. وما بین أصوات مؤیدة وأخرى معارضة لخروج المملكة المتحدة من الاتحاد
الأوروبي، بدأ العد التنازلي لاستفتاءا شعبیا من المنتظر أن تجريه المملكة المتحدة
بشأن استمرارها
في جعبة الاتحاد الأوروبي من عدمه في الثالث والعشرون من یونیو الجاري. ویترقب العالم
لما سیؤل له اختیار الشعب البریطاني حیث أن أثر ھذا
الاختیار یتجاوز المصالح البریطانیة والأوروبیة. لیبقى التساؤل حول مستقبل
العلاقات الاقتصادیة بین مجلس التعاون الخلیجي والاتحاد الأوروبي حالة خروج
المملكة المتحدة فعلیا من الاتحاد الأوروبي.
علاقات
اقتصادیة متینة تربط بین مجلس التعاون الخلیجي والاتحاد الأوروبي ھناك
الكثیر من العلاقات الاقتصادیة الاستراتیجیة التي تربط بین دول مجلس التعاون
الخلیجي مجتمعه والاتحاد الأوروبي، یأتي على رأسها علاقات التبادل التجاري. فیملك
مجلس التعاون الخلیجي احتیاطات بترولیة ضخمة تقدر ب ٧٠٠ ترلیون برمیل من النفط
الخام، كاحتیاطیات مؤكده بما یمثل ٦٥% من الاحتیاطي العالمي، ویشكل مكون البترول أھم
مكونات واردات الاتحاد الاوربي من دول مجلس التعاون الخلیجي لیضفي ھذا
البعد أھمیة
استراتیجة لعلاقات التبادل التجاري بین الجانبین. وفي نفس السیاق، تمثل السوق
الخلیجیة سوقا رائجة لمعظم صادرات الاتحاد الأوروبي بما فيها صادراته من الاسلحة. لیس
ذلك فحسب بل تتوجه الفوائض المالیة للصنادیق السیادیة واستثمارات رجال الاعمال إلى
دول الاتحاد الأوروبي بشكل عام، وإلى الممكلة المتحدة على وجه
الخصوص. ویعد الاستثمار العقاري والمؤسسات المصرفیة المالیة، الاستثمار المفضل
للمستثمر الخلیجي.
١ -التبادل
التجاري: تعد منطق مجلس التعاون الخلیجي منطقة استراتیجة لاستمرار عمل النظام
الاقتصادي الأوروبي، حیث یشكل النفط ما یقرب من ٧٠ %من واردات الاتحاد الأوروبي من
مجلس التعاون، بینما بلغت قیمة واردات المملكة المتحدة وحدھا
ما یزید عن ٨٠ %من وارداتها من مجلس التعاون الخلیجي في عام ٢٠١٤. وتتمثل أھم
واردات دول المجلس من المملكة المتحدة في المعدات الالكترونیة والكهربیة، وتزاید مؤخرا
الطلب على الاسلحة والزخیرة واجزائها، فوفقا لتقریر صدر عن "معهد ستوكهولم الدولي"
فقد بلغت مبیعات شركات الاسلحة البریطانیة للممكلة العربیة السعودیة، بلغت ٦.٥
ملیار دولار منذ العام ٢٠١٠ .
وصل
حجم التبادل التجاري بین الجانبین ما یزید عن ٣٣ ملیار دولار عام ٢٠١٤ ، وإن كان
في غیر صالح دول الاتحاد، حیث مثل العجز في المیزان التجاري ما یقرب من ١٣ ملیار
دولار. وتسعى دول مجلس التعاون، وفي اطار حرصها على زیادة التبادل التجاري ولخفض
العجز المستمر في میزان مدفوعات دول المجلس في تجارتها مع الاتحاد الأوروبي، تسعى من
أجل اقامة منطقة تجارة حرة مع الاتحاد الاوروبي.
٢ –الاستثمارات: غیرت بوصلة الاستثمار
الخلیجي من قبلتها، فبعد أن كانت الولایات المتحدة الامریكیة وجهة الاستثمارات المفضلة
لدول مجلس التعاون الخلیجي، وبعد فرض الحكومة الامریكیة قیود صارمة على رأس المال
الأجنبي وبخاصة العربي بعد الهجمات الارھابیة
في أحداث ١١ سبتمبر ٢٠١١ وتفجیر برجي التجارة العالمیین، اصبح الاتحاد الأوروبي
وبخاصة المملكة المتحدة الوجخة الجدیدة للاستثمارت الخلیجیة. وتعد بیئة الأعمال
البریطانیة، بیئة جاذبة للمستثمر الخلیجي حیث أنها بیئة استثماریة منفتحة تعطي تسهیلات
واعفاءات ضریبیة وتمكن من الدخول إلى الاتحاد الأوروبي. ووفقا لتقدیرات الاستثمار الخلیجي بالمملكة المتحدة، فقد قدر بما
یقرب من ١٢٠ ملیار جنيه استرلیني في عام ٢٠١٣، وكانت النسبة الاكبر من نصیب المستثمر
السعودي، والتى بلغت ما یزید عن ٦٠ % من حجم الاستثمارات وبخاصة في العقارات
والمصارف والمؤسسات المالیة، وتوزعت باقي الاستثمارات بین دول مجلس التعاون،
واستطاع تحالف عدد من رجال أعمال من المملكة السعودیة بالاستحواذ على عدد من
المباني بوسط لندن بما قیمتھ
٢٨ ملیون استرلیني. صنادیق
الاستثمار السیادیة؛ اتجھت
صنادیق الاستثمار الخلیجیة بتعزیز استثماراتها في بریطانیا. وابرز مثال على ذلك توجه
صندوق قطر السیادي، والذي تقدر اصوله بنحو ٣٠٠ ملیار دولار، بصفقات ھي
الابرز في تاریخه؛ حیث قام بالاستحواذ على ما نسبته ٧.١٢% من بنك بركلیز البریطاني
بعد قیامه برفع راس ماله في عام ٢٠١٠، وكذلك شراء متجر ھاردوز،
والذي یصنف بكونه من اشهر مراكز التسوق بوسط لندن. و شراء حصة ٢٠ %من شركة BAA البریطانیة مما أعطي قطر أحقیة
بناء مدرج إضافي في مطار ھیثرو
لندن. واشتري جهاز قطر للاستثمار حصة تقدر ب ٢٠ %من اسهم بورصة لندن. كما قام عدد
من المستثمرین القطریین بتمویل بناء أطول ناطحة سحاب في العاصمة البرطانیة لندن،
برج شارد shard بطول
٣١٠ متر حیث تم الاستحواذ على ٨٠% من حصتة للسیطرة عليه والتي دشنها رئیس وزراء قطر
یولیو ٢٠١٢ .وتملك الهيئة العامة للاستثمار الكویتیة جزء من مجموعة Citigroup اضف لذلك الاستثمار في
الصناعات التحویلیة وصناعة السیارات والخدمات والنقل والعقارات والملاعب الریاضیة.
في عام ٢٠٠٦ قامت شركة موانئ دبي بشراء شركة الشحن
O&P البریطانیي.
٣ -اتفاقیة منطقة التجارة الحرة: بدأ
مجلس التعاون والاتحاد الأوروبي في وضع استراتیجیة طویلة الأمد من أجل إقامة منطقة
تجارة حرة والتي بدأ الحدیث عنها منذ العام ١٩٨٨، والتزما كلا الجانبین بالدخول في
مفاوضات بشأن اتفاق التجارة الحرة والتي بدأت فعلیا منذ عام ١٩٩٠ واكتسبت المفاوضات زخما بعد دخول
اتفاق اقامة الاتحاد الجمركي بین دول مجلس التعاون حیذ النفاذ في عام ٢٠٠٣. وتضمن
الاتفاق بین الجانبین التحریر التدریجي والمتبادل للتجارة في السلع والخدمات من
خلال تخفیض تدریجي للضریبة الجمركیة. وتم الموافقة على برنامج العمل المشترك الذي
تمت الموافقة عليه في عام ٢٠١٠ إلى عام ٢٠١٣ .ومنذ ذلك التاریخ لا توجد مفاوضات
جادة لتفعیل اتفاق التجارة الحرة بین الجانبین وخاصة في ظل المشروطیة السیاسیة
التي یفرضها الاتحاد الأوروبي من أجل تفعیل اتفاق التجارة الحرة .
خروج
انجلترا من الاتحاد الاوروبي واثره على العلاقات الاقتصادیة مع دول مجلس التعاون
الخلیجي كان التحسن الاقتصادي الذ شهدته أوروبا أحد الاسباب الدافعة لدخولها إلى منطقة
الاتحاد الأوروبي، وفي زخم ما تتعرض له منطقة الاتحاد الاوروبي من أزمات وتعثر عدد
كبیر من دوله اصبح ھناك
عدوانیة ونفور من طائفة كبیرة من الشعب البریطاني تجاه مشروع الاتحاد الأوروبي ما دفع
حكومة دیفید كامیرون لتنظیم استفتاء شعبیا لتقریر مصیر المملكة من الاستمرار من
عدمة في مشروع الوحدة الاوروبیة. وھناك
عاملین اساسیین جراء ھذا
التغیر في نظرة الشعب البریطاني للاتحاد الأوروبي؛ أولهما:
ھجرت آلاف السكان من
أوروبا الشرقیة للاستقرار والعمل في لندن، فقوانین السوق الأوروبیة المشتركة تتیح
لمواطني الاتحاد من الانتقال إلى أي دوة عضو، وما مثله ذلك من عبء على المعروض من العمل
بالمملكة وارتفاع اسعار العقارات بلندن. وثانيهما: الضوابط الأوروبیة الموحدة وفقا
لمعاھدة
ماستریخت لعام ١٩٩٢ ،والتي بموجيها تم اطلاق السوق الأوروبیة المشتركة، والتي قللت
من تحرر القطاع المالي وبیئة الأعمال بالمملكة وعليه تآكل التفضیلات التي كانت
تتمیز بها المملكة من حیث خلق فرص عمل جدیدة، وجذب الاستثمارات الأجنبیة. وفي خضم ھذا
التحول في المشهد الأوروبي تثور مخاوف الشركاء التجاریین والمستثمرین أطراف
التعامل مع المملكة وما سیؤل له مصیر العلاقات الاقتصادیة، بما فيهم دول مجلس التعاون
الخلیجي.
١ -مخاوف من ركود مزدوج: ثارت
العدید من المخاوف بشأن توقعات ركود ستشهدة المملكة المتحدة حال خروجها من الاتحاد
الأوربي بانخفاض نسبته ٥.٣ نقطة من نموها
الاقتصادي، والذي انخفض بالفعل بمقدار ٤.٠ % فى الربع الأول من العام الجاري
مقارنة بالربع السابق وفقا لمكتب الاحصاء الوطني البریطاني، ومن جهة اخرى حذرت
مدیرة البنك الدولي من أن خروج الممكلة قد یكون له اثار كارثیة على النمو
الاقتصادي العالمي، ھذا
الركود المحتمل سیؤثر على مجلس التعاون من خلال قنوات أھمها
حجم التبادل التجاري، وأن تراجع النمو العالمي یعني تراجع في الإیرادات النفطیة
لدول الخلیج.
٢ -استثمارات
الصنادیق السیادیة الخلیجیة ورجال الأعمال: إن خروج المملكة المتحدة من عباءة
الاتحاد الأوروبي یمكن النظر إليه من خلال بعدین؛ البعد الإیجابي: فخروج المملكة
المتحدة یعني الخروج من دائرة الضائقة المالیة التي تعاني منھا
بعض دول الاتحاد وتفرض ضوابط مالیة وقانونیة على كافة الدول الاعضاء، بما یعكس رد
فعل ایجابي على بیئة العمل المحلیة من حیث خفض القیود ما یسهم في جذب المستثمر الخلیجي
إلى سوق المملكة. أما البعد السلبي: فیتمثل في
مخاوف تراجع قیمة الجنيه الاسترلیني وأن الصدمة التي سیتعرض لها الاقتصاد
البریطاني ربما تفقد العملة ٢٠ %من قیمتھا
وھنا یتضح الخطر على
الاستثمار الخلیجي بالمملكة والذي سیتعرض لخسارة راسمالیة لا محالة في ظل ھذا
السناریو، ومن المرجح أن یكون ھناك
انتظار حذر لاي تدفق جدید للاستثمارات الخلیجیة على المستویین؛ الرسمي، واسثمارات
رجال الاعمال في قطاعي المصارف البنكیة وقطاع العقارات في بریطانیا في المرحلة
المقبلة نظرا لعدم الیقین بما ستؤل لھ
الأمور.
٣ -التبادل
التجاري ومنطقة التجارة الحرة: یعد مكون
البترول ومشتقاته اھم
مكون من واردات المملكة المتحدة من دول مجلس التعاون كما أنها تفرض ضریبة تزید عن ٥
%على تلك الواردات قبل دخلوها
إلى أراضيها، وھنا
تحقق المملكة نفع مزدوج، كما أن المملكة المتحدة تحقق فائض باستمرار في اطار تجارتها
مع دول الخلیج. وعلى الجانب الاخر یسعى مجلس التعاون لتحقیق نفع من خلال اتفاق
منطقة التجارة الحرة والتى لا زال تجري مفاوضات بشأنھا
دون جدیة في ظل المشروطیة السیاسیة التي یفرضھا
الاتحاد الاوروبي. لیبقي ھذا
الوضع المیزان التجاري لمجلس التعاون في حالة عجز لصالح دول الاتحاد الاوروبي حیث
بلغ عجز المیزان التجاري ما یزید عن ٦٠ ملیار دولار عام ٢٠١٤ .ومن المنتظر أن
تستضیف بروكسل، في النص الثاني من شھر
یوینو الجاري اجتماع وزاري رقم ٢٤ بین الاتحاد الاوروبي ومجلس التعاون مع تكھنات
بإمكانیة تحقیق خطوات ایجابیة في ملف اتفاقیة التجارة الحربیة.
للتحميل في صورة pdf اضغط هنا
للتحميل في صورة pdf اضغط هنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق