الملاذ الآمن: إلى أين تتجه أسعار الذهب؟
شهدت أسعار الذهب ارتفاعًا غير مسبوق، متجاوزة حاجز الـ2,600 دولار للأونصة لأول مرة في التاريخ، مدفوعة بموجة صعود قوية تغذيها التوقعات بخفض أسعار الفائدة الأمريكية، وتصاعد التوترات الجيوسياسية، لا سيما في الشرق الأوسط. مع هذه القفزات، تزداد التساؤلات حول مستقبل الذهب: إلى أين تتجه أسعاره خلال السنوات الخمس القادمة؟ وهل لا يزال يمثل ملاذًا آمنًا مستدامًا في ظل تغير موازين الاقتصاد العالمي؟
موجة الصعود التاريخية
في الأسابيع الأخيرة، ارتفع سعر الذهب الفوري (XAU/USD) بنسبة 1.37% ليصل إلى 2,600.11 دولار للأونصة، محققًا قفزة سنوية تبلغ نحو 26%، وهي الأعلى منذ عام 2010. ويرى محللو TD Securities أن هذه الطفرة تعكس نشاط شراء مدفوعًا ببدء دورة التيسير النقدي من جانب مجلس الاحتياطي الفيدرالي. في المقابل، يحذر محللو Commerzbank من أن خفضًا متوقعًا بواقع 25 نقطة أساس فقط خلال الاجتماعين القادمين للفيدرالي "قد لا يكون كافيًا لاستمرار الزخم الحالي".
طلب قوي من البنوك المركزية
على الرغم من ارتفاع الأسعار، حافظت البنوك المركزية على وتيرة شراء مرتفعة. فقد بلغ صافي مشتريات الذهب في يوليو نحو 37 طنًا، وهو أعلى رقم شهري منذ يناير، عندما بلغت المشتريات 45 طنًا. كانت الهند وأوزبكستان وبولندا في صدارة المشترين. وقد أضافت البنوك المركزية 1037 طنًا في عام 2023، في ثاني أعلى إجمالي سنوي في التاريخ بعد الرقم القياسي البالغ 1082 طنًا عام 2022.
الصين تتوقف مؤقتًا عن الشراء
شكل توقف بنك الشعب الصيني عن شراء الذهب في مايو ويونيو 2024 نقطة تحول. وبعد 18 شهرًا من الشراء المستمر، حافظت الصين على احتياطياتها عند 72.80 مليون أونصة. هذا التراجع المؤقت في الطلب من أكبر مشترٍ عالمي قد يشكل ضغطًا هبوطيًا على الأسعار، لا سيما إذا استمر لفترة أطول.
انتعاش صناديق الاستثمار المتداولة
على الرغم من تراجع حيازات صناديق الاستثمار المتداولة (ETFs) في الأشهر الأولى من 2024، شهدت هذه الصناديق تدفقات إيجابية مستمرة منذ مايو. وقادت الصناديق الغربية هذه الموجة، مما يعكس عودة ثقة المستثمرين في الذهب كأداة تحوط، خاصة في ظل ضعف الدولار وارتفاع مخاوف الركود.
العوامل الجيوسياسية والاقتصادية
ساهمت مجموعة من العوامل في تعزيز الطلب على الذهب، أبرزها التخوفات من الركود العالمي نتيجة الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، إلى جانب انهيار الثقة في السندات الأميركية. كما تسبب انخفاض الدولار بعد تصريحات هجومية من الرئيس الأميركي دونالد ترامب تجاه الفيدرالي الأميركي، في تعزيز جاذبية الذهب عالميًا.
التوقعات المستقبلية لأسعار الذهب
يُجمع كبار المحللين على استمرار الاتجاه الصعودي للذهب:
-
UBS تتوقع أن يبلغ الذهب 3500 دولار خلال الأشهر المقبلة.
-
غولدمان ساكس رفعت تقديراتها إلى 4000 دولار للأوقية بحلول 2026، مع إمكانية الوصول إلى 3880 دولارًا بنهاية 2025 في حال زادت مخاطر الركود.
-
بنك أوف أميركا أبقى على توقعاته عند 3500 دولار خلال العامين المقبلين، مدفوعًا بمشتريات البنوك المركزية.
-
دويتشه بنك يتوقع أن يبلغ متوسط السعر 3139 دولارًا في 2025 و3700 دولارًا في 2026.
نصائح المستثمرين وتحذيرات الخبراء
يرى الخبراء أن الذهب لا يزال يمثل ملاذًا آمنًا على المدى الطويل، لكن توقيت الدخول إلى السوق ضروري لتحقيق العوائد المرجوة. بجانب أهمية الصبر في ظل التقلبات قصيرة الأجل، وننصح المشترين بغرض الزينة أو الادخار بعدم التسرع.
وتوجد فرص واعدة في الأسواق المالية الأخرى، منها الأسهم الأمريكية والمصرية، لكنه شدد على ضرورة اكتساب المعرفة المالية قبل التوجه نحو الاستثمار في أي أصل مالي.
ختاماً، تتجه أسعار الذهب نحو مستويات قياسية جديدة مدفوعة بمجموعة من العوامل الاقتصادية والجيوسياسية. ورغم توقف بعض القوى الشرائية مؤقتًا، فإن الإجماع بين المؤسسات المالية الكبرى يشير إلى أن الاتجاه العام للذهب لا يزال صعوديًا، مع إمكانية تجاوز حاجز 4000 دولار للأونصة في المستقبل القريب. ولكن، وكما هو الحال في جميع الاستثمارات، يبقى التوقيت والوعي المالي أساس النجاح.
تعليقات
إرسال تعليق