الآثار الاقتصادية للحرب الإيرانية الإسرائيلية على الاقتصاد العالمي والمصري
مع اندلاع المواجهات العسكرية المباشرة بين إيران وإسرائيل، دخلت منطقة الشرق الأوسط مرحلة جديدة من التصعيد الجيوسياسي الذي لا يقتصر تأثيره على البُعد الأمني أو العسكري فحسب، بل يمتد ليطال بنية الاقتصاد العالمي، ويهدد الاستقرار المالي والإنتاجي في العديد من دول المنطقة، بما فيها مصر.
أولاً: التداعيات العالمية الفورية
شهدت الأسواق العالمية حالة من الذعر الحذر فور بدء العمليات العسكرية. فقد ارتفعت أسعار النفط والذهب، ما يعكس لجوء المستثمرين إلى الأصول الآمنة في ظل تصاعد التوترات. كما تراجعت مؤشرات أسواق المال في معظم دول العالم، نتيجة زيادة المخاطر وتراجع شهية المخاطرة.
لكن التصعيد الأخطر يتمثل في تهديد إيران المتكرر بإغلاق مضيق هرمز، أحد أهم الممرات الحيوية لإمدادات الطاقة، حيث يمر عبره نحو 20% من إمدادات النفط العالمية. وفي حال تنفيذه، فإن ذلك سيؤدي إلى:
-
اضطرابات حادة في سلاسل الإمداد العالمية.
-
ارتفاعات كبيرة في أسعار النفط والغاز.
-
موجة تضخمية جديدة عالميًا، تضرب الدول الصناعية والنامية على حدّ سواء.
-
تباطؤ اقتصادي عالمي ناتج عن ارتفاع تكاليف الإنتاج والنقل.
ورغم أن إغلاق المضيق ما يزال احتمالًا بعيدًا، لما ينطوي عليه من عواقب استراتيجية وعسكرية جسيمة، إلا أن مجرد التلويح به يعكس حجم المخاطر القائمة.
ثانيًا: الآثار الاقتصادية الإقليمية في الشرق الأوسط
1. اضطراب أسعار الطاقة:
أدت الضربات المتبادلة إلى ارتفاع أسعار خام برنت بنسبة قاربت 9% خلال أسبوع واحد. وتجاوز سعر البرميل 74 دولارًا، فيما ارتفع خام غرب تكساس بنسبة 14%. وهو ما ينعكس مباشرة على أسعار الوقود والكهرباء في الدول المستوردة للطاقة.
2. سلاسل التوريد والتأمين البحري:
التصعيد العسكري دفع عدة دول (مثل اليونان وبريطانيا) لتحذير السفن التجارية من عبور خليج عدن والبحر الأحمر. كما قفزت أقساط التأمين البحري إلى ما بين 1-2% من قيمة السفينة، مما رفع تكلفة النقل والتجارة، وزاد من أسعار السلع المستوردة في دول المنطقة.
3. تقلبات في سوق الصرف:
في ظل المخاطر الجيوسياسية، تتجه رؤوس الأموال إلى الدولار كملاذ آمن، ما يضعف العملات المحلية ويزيد من الضغوط التضخمية، خصوصًا في دول تعتمد على الاستيراد، ويُضعف قدرة البنوك المركزية على خفض الفائدة أو دعم النشاط الاقتصادي.
ثالثًا: كيف يتأثر الاقتصاد المصري؟
1. ارتفاع فاتورة الواردات:
مصر من الدول المستوردة للطاقة، وأي زيادة في أسعار النفط تعني تلقائيًا ارتفاع فاتورة الواردات البترولية. كما أن تعطّل بعض خطوط الغاز نتيجة الحرب، قد يفرض تحديات على قطاعي الكهرباء والصناعة، ويزيد من كلفة الإنتاج.
2. قناة السويس تحت الضغط:
رغم عدم تسجيل تراجع فوري في حركة العبور، إلا أن استمرار التوتر في البحر الأحمر ومضيق هرمز قد يدفع بعض الخطوط الملاحية لإعادة النظر في مساراتها، خاصةً إذا استمرت الزيادة في تكاليف التأمين. هذا من شأنه أن يؤثر على أحد أهم مصادر النقد الأجنبي لمصر.
3. سوق الصرف وسعر الجنيه:
الطلب المتزايد على الدولار، سواء من جانب المستثمرين المتحوطين أو لتمويل واردات مرتفعة التكلفة، قد يضغط على الجنيه المصري. ومع اعتماد سياسة مرونة سعر الصرف، قد نشهد تقلبات قصيرة الأجل، لكنها ستظل خاضعة لتوازن التدفقات الاستثمارية من وإلى السوق المصري.
4. الاستثمار الأجنبي والسياحة:
الحروب في المنطقة تؤثر على شهية المستثمرين وتدفعهم لتأجيل قراراتهم أو تقليص استثماراتهم، لا سيما في القطاعات المعرضة للمخاطر مثل السياحة. فالسائح الأجنبي غالبًا ما يتعامل مع الشرق الأوسط ككتلة واحدة، وأي اضطراب في إسرائيل أو إيران ينعكس سلبيًا على الحجوزات في مصر، حتى إن لم تكن طرفًا في النزاع.
5. التضخم وأسعار الفائدة:
ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء سيزيد من معدلات التضخم المحلية، ما قد يدفع البنك المركزي إلى إعادة النظر في دورة التيسير النقدي التي بدأها مؤخرًا، وربما تثبيت أو حتى رفع أسعار الفائدة، الأمر الذي يؤثر على النمو والاستثمار.
رابعًا: التحركات الحكومية المصرية
بحسب الخبير المصرفي محمد عبد العال، فإن الحكومة المصرية تتعامل بخبرة متراكمة مع الأزمات الدولية، وتقوم حاليًا بتفعيل خطط استباقية لضمان الأمن الغذائي والطاقي، وتنويع مصادر الإمداد، مع استمرار التنسيق بين أجهزة الدولة والبنك المركزي لمواجهة أي طارئ.
الاستنتاجات
في ظل ما سبق، يمكن تلخيص أهم النقاط كما يلي:
-
استمرار الحرب الإسرائيلية الإيرانية سيُبقي أسعار النفط والطاقة مرتفعة، مما يؤثر على الاستيراد والنقل والصناعة.
-
قد تواجه مصر ضغوطًا مزدوجة من ارتفاع تكلفة الواردات وتراجع الإيرادات من السياحة وقناة السويس.
-
السياسة النقدية قد تتجه إلى التثبيت أو الحذر بدلاً من خفض الفائدة، تجنبًا لزيادة التضخم.
-
استمرار مراقبة الأسواق وتحديث السيناريوهات الاقتصادية أمر بالغ الأهمية في ظل ديناميكية الأحداث.
-
على الأفراد والحكومة تعزيز الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على الواردات قدر الإمكان.
تعليقات
إرسال تعليق