"الربيع العربي لا
نعرفه ولا يعرفنا" هكذا قال رئيس
الوزراء الجزائري، عبدالمالك سلال، في معرض حديثه عما يحدث من احتجاجت بالجزائر.
أجواء من القلق والترقب
تشهدها الجزائر بعد تحول اضراب عام اقتصر على التجار في ولاية بجاية، إلى احتجاج
شعبي تخلله العنف بين المحتجين وقوات الشرطة في ولاية "بجاية" ومن بعدها
"البويرة" و"تيزي وزو". على خلفية إقرار قانون الموازنة
العامة متضمنا ارتفاع الضرائب وهو ما يشير إليه المحتجون بإقدام الحكومة على زيادة
الأعباء على المواطن الجزائري وارتفاع اسعار مختلف السلع في حين تراجع القوة
الشرائية وتدني الأجور.
الدعوة للإضراب
العام
شهدت الجزائر في اكتوبر من
العام المنصرم أزمة حقيقة على إثر تظاهر رجال الشرطة للمطالبة بعزل مدير عام الأمن
الجزائري، وإعطائهم صلاحيات التعامل بحزم مع المتظاهرين، وأيضاً احتجاجهم على
الأوضاع المعيشية السيئة التي يتعرضون لها، واستمر إضراب الضباط لما يقرب من
أسبوع، ووصل التظاهر إلى حد تطويق القصر الرئاسي بالمورادية، حتى اتفقت السلطات الجزائرية
وجهاز الشرطة، على تحقيق ما يزيد من 80% من المطالب أهمها تحسين ظروفهم المعيشية. ولم
يمر الكثير على هذا الحدث حتى تعالت الدعوات المطالبة للإضراب العام من مصادر
مجهولة آملا في تحقيق بعض المكاسب على غرار رجال الشرطة. حيث بدأت الدعوات المجهولة
بالدعوة للإضراب العام خلال الفترة 2: 7 يناير الجاري. اعتراضا على خطة التقشف
الاقتصادي التي تفرضها الحكومة واعتراضا على قانون الموازنة العامة الذي يحمل
المواطنين أعباء ضريبية جديدة.
وجدت الدعوة للإضراب قبول
حذر من بعض التجار خوفا على مملتكاتهم بعد تصاعد الإشاعات وأغلب التجار أغلقو
محلاتهم تحت تهديدات عاطلين عن العمل توعدو بالتعدي وتهشيم المحلات التي تسفتح
ابواها خلال فترة الإضراب . وفي ذات السياق نفى الاتحاد العام للتجار والحرفيين
الجزائرين توجيه أي نداء للتجار للإضراب، وندد الأمين العام للاتحاد، صالح صويلح،
بالتهديدات التي تلقاها تجار بعض المحافظات من طرف شبان مجهولي الهوية بحرق
محلاتهم في حال بقيت مفتوحه وتفيد
بعض التقارير تجاوب بعض المناطق للإضراب تراوحت بين 30: 50%.
من اللافت للنظر ملاقاة
الدعوة لصدي كبير على مواقع التواصل الاجتماعي ضد غلاء المعيشة من ناحية واعتراضا
على الوضع السياسي من ناحية اخري. غير أن تخلي التظاهر عن سلميته وقيام الشباب
بقطع الطرق وإحراق إطارات العجلات والإشتباك مع قوات الأمن تطورت إلى أعمال تخريب
وسرقة وتعدي على الممتلكات بولايتي بجاية وكان على إثرها تدخل قوات فض الشغب لعرقلة
مسيرة المجتجين وإطلاق القنابل المسيلة للدموع. ويرى مراقبون أن الاحتجاجات مست
كثير من المناطق غير أن تسليط الضوء على مدينة باجية بسبب انزلاقها إلى العنف.
فيما اتهم رئيس الوزراء الجزائري، عبدالمالك سلال، جهات خارجية تسعى لزعزعة استقرار
الجزائر، قائلا إن "هناك جهات تحاول زعزعة استقرار الجزائر".
تأتي هذه الاحتجاجت لرفض الإجراءات
التقشفية التي وردت في موازنة 2017 وما عقبه ذلك من ارتفاع في أسعار المواد
الاستهلاكية وفي الضرائب فالجزائر مقبلة على سنة تقشف صعبة زادت فيها الضرائب، فيما تقلصت
الموارد النفطية إلى النصف، وهي التي تشكل أكثر من تسعين بالمائة من صادرات البلاد.
خطة للتقشف الإقتصادي
يبدو أن الوضع الاقتصادي
المأزوم وتراجع اسعارا النفط عالميا قد ارهق الموازنة العامة الجزائرية. إذ تعتمد
الجزائر على النفط والذي يمثل 90% من صادراتها للعالم الخارجي، فتراج اسعارا لنفط
بمقدرا النصف خفض من الإيرادات النفط بالنقد الأجنبي. في الوقت الذي اتبعت فيه
الحكومة الجزائرية بعد الربيع العربي خطة توسيعية تقوم على الإنفاق العام لانعاش
الاقتصاد خوفا من أن تطولها رياح التغيير العربي.
غير أن تقلص الفوائض
المالية دفع الحكومة الجزائرية للتوجه من إجل إقرار خطة للتقشف الاقتصادي قوامها
خفض الإنفاق العام، والذي انخفض بنحو 6% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي، وزيادة
الإيرادات الضريبية وهو مار رفضته قوى المعارضة بالبرلمان حيث ضم قوانين تفرض
رسوما جديدة على عدد من المواد الاستهلاكية الاساسية كاليزت والسكر والقهوة والحليب
والبنزين والغاز وبعض الخدمات كالهرباء.
ويتضمن القانون ايضا زيادة الضريبة على القيمة المضافة وعلى المواد الإلكترونية والسجائر وهذا سيثقل كاهل المواطن في ظل تراجع القوة الشرائية
ويمكن تفسير خطة التقشف
الاقتصادي في ضوء تراجع بعض مؤشرات الاقتصاد الكلي وبالأخص معدل النمو الاقتصادي
وتفاقم عجز الموازنة العامة لتراجع الايرادات النفطية
تراجع اقتصادي
تفاقمت أزمات الاقتصاد
الجزائري بالتزامن مع انخفاض اسعار النفط وتراجع معدل النمو في عام 2015 لنحو 2.9%
في المائة من 3.8% متأثرا بهبوط اسعار النفط من 100 دولار للبرميل إلى نحو 59
دولار للبرميل عام 2015، علاوة على النقاعس في القيام بضبط أوضاع المالية العامة والتوسع
في الانفاق الحكومي تضاعف عجز الموازنة ليصل لنحو 15.9% من إجمالي الناتج المحلي
الإجمالي عام 2015، وكذلك ارتفع معدل التضخم لنحو 4.8% لاسباب مختلفة اهمها تراجع
قيمة الدينار الجزائري بنحو 20%.
معدل الفقر؛ هناك تفاوت ظاهر بين الطبقة الغنية والطبقة الفقيرة حيث
تبلغ الفجوة الاستهلاكية نحو 27.7% بين الأغنياء والفقرا ووفقا للبنك الدولي بلغ
المعدل الرسمي للفقر في الجزائر 5.5% في عام 2011، وهي أحدث بيانات رسمية متاحة،
ومع ذلك فإن نحو 10% من سكان الجزائر معرضون لخطر السقوط مره أخرى في براثن الفقر إذا اشتدت عليهم الظروف المعيشية ويبدو أن خطة التقشف الاقتصادي تدفع في
هذا الاتجاه.
معدل البطالة؛ علاوة على ما قد تلعبه البطالة كمحرك في اتجاه تدهور
أحوال المواطنين، فقد بلغت البطالة ارقاما قياسية في عام 2015 ولم يرصد تغير في
النصف الأول من عام 2016 في مستويات البطالة المرتفعة بين النساء 16.6% أو الشباب 29.9%، ويتوقع
صندوق النقد الدولي اتخاذ معدل البطالة اتجاه تصاعدي خلال الأعوام التالية حتي عام
2021. وهذا ما يوضحه الشكل البياني التالي
عجز الميزان
الجاري؛ اعتمدت الجزائر على الإيرادات النفطية ومثلت أكثر من
90% من إيرداتها النفيطة ساهم ذلك في تحول الفائض في الميزان الجاري من نحو 19.8
مليار دولار في عام 2011، إلى عجز بلغ نحو 27.4 ميار دولار في عام 2015 ومن
المتوقع أن يستمر عجز الميزان الجاري حتي عام 2012 كما هو موضح بالشكل التالي
وهذا سيؤثر على مقدرة
الحكومة زيادة الانفاق العام ومن ثم تراجع الانفاق الاسثماري وسينعكس هذا بالسلب
على مقدرة الاقتصاد الجزائري خلق فرص عمل جديدة، مما يستوجب اتاحت دور أكبر للقطاع
الخاص لتقليل معدل البطالة وتحريك معدل النمو.
علاوة على تأجج الوضع
الاقتصادي، تحذر تقارير دولية من إنفجار الوضع الإجتماعي لاسباب اقتصادية، قد تدفع
البلاد إلى الهاوية بل وتنذر تلك التقارير من مواجهة مصير حلب السورية "بعد
حلب الجزائر" وترقب موت الرئيس الجزائري "بوتفليقه" الذي يصارع
المرض وإنعكاس ذلك على تأجيج الصراع بين الإسلاميين والسلطة العسكرية مرة أخرى،
ليعيد ذلك إلى الأذهان مشهد أحداث التسعينات التي راح ضحيتها 200 ألف مواطن جزائري.
وفي المجمل؛ هناك تخوف من قبل القيادة السياسية مما ستؤول إليه
الأوضاع والتخوف من مصير الربيع العربي وظهر هذا جليا من تصريح رئيس الوزراء
الجزائري بأن "الربيع العربي لا يعرفنا ولانعرفه" في إشاره صريح من
التخوف من مصير الربيع العربي ولكن تحذير التقارير الدولية من الأوضاع الإجتماعية
يجب أن تبقى في موضع الاعتبار فقد أنتهى العام الماضي باضراب رجال الشرطة وانتهي
ببعض الاحتجاجت، التى لم تلاقى صدى صوت، وبدء العام 2017 باحتجاجات في تطور نوعي
خطير لتحركات الشارع الجزائري والرغية في التغيير والتحسن الاقتصادي.
للتحميل في صورة pdf اضغط هنا
للتحميل في صورة pdf اضغط هنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق