ترجمة/ عمرو خليل
السعيد
ترجمة مقال للأستاذ
"نوح سميث" على مدونته الشخصية بعنوان:
Is economics a
science?
على الرغم من أن الاقتصاد
أصبح له العديد من الفروع والتطبيقات المختلفة، إلا أن كونه من العلوم الاجتماعية
جعله محلاً للانتقاد شأنه شأن كافة العلوم الاجتماعية، حول ما إذا كانت تلك العلوم
تتمتع حقاً بصفة "العلمية". ويمكن الرد على تلك الإدعاءات حول مدى
"علمية" الاقتصاد في النقاط التالية:
بداية ما هو العلم؟
لا أحد يعرف. لأنه حتى الآن
لا يوجد تعريف واحد وشامل للعلم، فالبعض يعرفه على أنه منهجية (مثل بوبر)، والبعض
الآخر يعرفه على أنه ظاهرة اجتماعية (مثل كون، ولاكاتوس). بينما لا يرى فريق آخر
أهمية لوضع تعريف للعلم (مثل فيرابيند)، وهناك العديد من الآراء الأخرى حول مفهوم
العلم.
وبالتالي فإن هذه النقاشات
المستمرة حول هل الاقتصاد علم أم لا، لن يتم حلها أبداً!
وإذا كان الاقتصاد علماً،
فإنه يجب أن يكون علماً تطبيقياً، حيث تستطيع العلوم التطبيقية والتجريبية أن تقدم
فهماً أوسع للعالم الذي نعيش فيه، وهذه هي المشكلة التي تجعل الكثيرين يرفضون
اعتبار الاقتصاد "علماً". لكن لو أننا استطعنا أن نؤكد أن الاقتصاد لديه
الكثير من التجارب والتطبيقات الدقيقة، ربما كان لدينا الفرصة لإثبات أن الاقتصاد
لديه القدرة على أن يكون أكثر "علمية".
وعلى أية حال، فهناك ثلاثة
اتجاهات في الاقتصاد اعتقد أن معظم الناس سوف تتفق على أنها تجعل الاقتصاد أكثر
علمية:
1.
وجود نظريات لها قدرة تنبؤية قوية.
2.
انخفاض الجوانب النظرية لصالح الجوانب التطبيقية.
3.
"ثورة المصداقية" في الاقتصاد التطبيقي.
النظريات التي لديها قدرة
تطبيقية دقيقة:
هناك الكثير من الآراء التي
تدعى أن العلوم الاجتماعية لا يمكن أن تكون "علماً"، نظراً لأن السلوك
البشري يصعب قياسه وفق معادلات رياضية دقيقة. إن هذه الأقاويل تعد سخيفة بالنسبة
لي، وذلك لعدة أسباب، أولها، أن الكثير من العلوم الطبيعية لا تنطوى على قوانين
رياضية دقيقة، وإلا ما هو القانون الرياضي الذي يصف مرور الطعام خلال الجهاز
الهضمي؟، وثانياً، هناك الكثير من النظريات في العلوم الاجتماعية مكتوبة في لغة
رياضية دقيقة من خلال المعادلات والأرقام، ولديها قدرة ثابتة على التنبؤ بالسلوك
البشري.
وربما يمكن إعطاء أربعة
أمثلة على ذلك:
1.
نظرية المزاد
2.
نظرية البحث والمطابقة
3.
نماذج الاختيار المتعدد
4.
نماذج جاذبية التجارة
وهذه الأمثلة السابقة هي
مزيج إنتقائي من النظريات المختلفة، فنظرية المزاد هي نظرية كلاسيكية تعتمد على
العقلانية الفردية. بينما نظرية البحث والمطابقة هي في الأساس خوارزمية للتخطيط
المركزي للمنافع المتبادلة من العلاقات عبر الزمن، مما يجعلها تشبه إلى حد كبير
نماذج بحوث العمليات التي تكون في كثير من الأحيان قادرة على التنبؤ بالسلوك
البشري مع الدقة الكمية. أما نموذج جاذبية التجارة، هي نظرية هامة تتوقع بنجاح
أنماط التجارة الدولية التي تنطوي على مليارات الأفراد.
لذا يمكن القول أن هذه الإدعاءات
بأن العلوم الاجتماعية لا يمكن أن تتنبأ بالسلوك البشري هي إدعاءات غير مقنعة على
الإطلاق، فهناك الكثير من الأمثلة الأخرى سواء في علم الاقتصاد أو العلوم
الاجتماعية الأخرى تؤكد على خطأ تلك الإدعاءات.
ولكن حقيقة أن الاقتصاد
يحرز تقدماً على هذه الجبهة، هو أمر مشجع ولكن ببطء!، فبناء نماذج مستقرة مع قوة
تنبؤية جيدة وموثوق بها هو الأمر المطلوب حتى يحقق الاقتصاد تطوراً مشجعاً في نطاق
"العلمية".
وعلى الرغم من أن الكثير من
النماذج الرياضية في الاقتصاد تعد مملة وضعيفة، إلا أن نموذجا ًمثل نموذج العرض
والطلب 101 يمكن أن يعمل بصورة جيدة في بعض الحالات، فمن الصحيح أنه لا يعمل في
أسواق العمل، ولكن أراهن أنه قادر على التنبؤ بدة بتأثير إعصار فلوريدا على أسعار
البرتقال.
وعلى أية حال، فإن النظريات
التي تعمل مع الواقع، ولديها تطبيقات فعلية خارج قاعات الأوساط الأكاديمية تعتبر
سمة مميزة ل"العلم الحقيقي"، وينبغي على الناس أن يدركوا أن الاقتصاد
لديه الكثير والكثير من هذه النظريات.
الثورة التطبيقية وثورة
المصداقية
لقد أصبح الاقتصاد في
السنوات الأخيرة أكثر "تطبيقة"، فقد انخفضت الأوراق البحثية النظرية
التي كانت تمثل أكثر من ثلثي الأوراق البحثية التي تنشر في المجلات العلمية إلى ما
يزيد على الربع خلال عام 2011، وبالتالي يمكن القول أن الصورة النمطية القائلة بأن
الاقتصاديين هم "فلاسفة رياضيون" لا يهتمون طيلة اليوم سوى بالنظريات
الغير واقعية، باتت أقل وضوحاً.
وفي الوقت نفسه، فإن
"ثورة المصداقية" – أي صعود وتطور الطرق شبه التجريبية – تمكن بصورة
كبيرة من إمكانية تطبيق الاقتصاد التطبيقي مباشرة في العالم الحقيقي، بدلاً من
الاضطرار للاعتماد على نظريات هيكلية مشكوك فيها كوسيط. إنه يمكن القول أن الأوراق
البحثية الاقتصادية باتت تقطع الطريق الصحيح في العثور على تقديرات قابلة للتصديق
حول آثار العديد من السياسات مثل الحد الأدني للأجور والهجرة.
فعلى سبيل المثال، إن
دراسات الحد الأدني للأجور منذ التسعينيات توصلت إلى أن هناك آثاراً قليلة لتطبيق
الحد الأدني للأجور على البطالة في المدى القصير، الأمر الذي ساعد الكثير من المدن
على إتخاذ قرارات بزيادة الحد الأدني للأجور في السنوات الأخيرة إلى 15 دولاراً.
وحتى الأن، ما زالت الدراسات الحديثة تتفق مع النتائج السابقة، حول عدم وجود بطالة
كبيرة لتطبيق الحد الأدني للأجور.
لذا يمكن القول أن صعود المنهج
شبه التجريبي هو أمر مفيد وجيد، ومع ذلك ينبغي أن ندرك القيود المفروضة على هذا
المنهج، فهذه الطرق تعطينا فهم محلي للعالم، وليس هذا النوع من الفهم العالمي، لذا
فإننا بحاجة إلى تحركات سياسية جريئة على المدى الطويل، حتى يكون لدينا القدرة على
الفهم العميق للاقتصاد عبر نماذج هيكلية تعمل بدقة.
كذلك فإن بعض الظواهر التي
يمكن اختبارها عبر المنهج شبه التجريبي لا تحدث باستمرار وربما تحدث نتيجة الصدفة،
مما يجعل من الصعب تكرار الاختبارات حول تلك الظواهر للتأكد من صحة النتائج. هذا
فضلاً عن أن الكثير من الظواهر التي تخضع للمنهج شبه التجريبي ترتبط بالجوانب
السهلة الدراسة في الظواهر المختلفة، وهذه مشكلة تسمى "مشكلة العمود
الفقري"، حيث يتم دراسة جوانب بسيطة بينما يتم ترك جوانب أخرى أكثر أهمية في
الظاهرة، فعلى سبيل المثال تشير الدراسات بشكل قاطع إلى أن الحد الأدني للأجور لا
يدمر العديد من الوظائف على المدى القصير، ولكننا لا نستطيع التأكد من أن الحد
الأدني للأجور سوف يؤثر على نمو الوظائف في المدى الطويل أم لا. الأمر الذي يعني
أن هناك جهوداً كثيرة ينبغي أن تبذل في هذا المجال.
وعلى الرغم من الترحيب
الكبير بضرورة التحول من المنهج شبه التجريبي إلى المنهج التجريبي، لكن هذا لا
ينسينا أننا لا نستطيع الاستغناء عن الدراسات النظرية أيضاً.
طرق يمكن للاقتصاد أن يصبح
من خلالها أكثر علمية
على الرغم من أن الاقتصاد
استطاع أن يحرزاً تقدماً كبيراً في المجالات السابقة الذكر، إلا أن هناك العديد من
الطر التي يمكن من خلالها للاقتصاد أن يصبح أكثر "علمية".
فما زال علماء الاقتصاد حتى
الآن يرفضون حذف أي نظرية غير صحيحة حتى لو كانت غير هامة وقديمة، ويتعللون في ذلك
بأسباب كثيرة وغير منطقية، فعلى سبيل المثال نموذج 101 الخاص بأسواق العمل، فهذا
النموذج يستطيع أن يعمل بشكل كبير في الأسواق الجزئية كأسواق البرتقال على سبيل
المثال، لكنه لا يستطيع أن يعمل في ظل أسواق العمل المجمعة. وعلى الرغم من ذلك فما
زال يتم استخدامه بشكل واسع سواء بشكل رسمي أو غير رسمي.
هناك أيضاً العديد من الجوانب
في علم الاقتصاد التي ما زالت تتمتع بالجوانب النظرية المفرطة، منها على سبيل
المثال، ما لاحظه بول بفليديور من إنتشار نماذج "الحرباء" التي يتم
بيعها كنماذج غير واقعية تستطيع التلون حسب النتائج المستهدفة، والتي يعتمد عليها
صناع السياسات لدعم استنتاجاتهم وقراراتهم المستهدفة. كذلك يرى ريكاردو ريس أن من
الأمور الغريبة هو اضطرار الاقتصاديين الشباب إلى إدراج جوانب نظرية لا معنى لها
في أوراقهم البحثية التطبيقية. ومن اللافت للنظر أيضا ًأن جائزة نوبل في الاقتصاد
يتم منحها لأي أعمال بحثية لتطوير منهجيات جديدة، حتى لو لم يكن لها أي قدرة على
التنبؤ بالواقع بصورة صحيحة. كذلك يمكن القول أن الكثير من النماذج القياسية في
الاقتصاد الكلي تتناقض تماما ًمع البيانات الواقعية.
لذلك من أجل أن يصبح
الاقتصاد أكثر علمية، يجب التوقف عن وضع نظريات لا تطابق الواقع، فبدلاً من فصل
العالم النظري عن العالم التطبيقي، ينبغي أن يعملان معاً للوصول إلى الحقائق
الفعلية. حيث يجب أن يتم حذف أي نظرية تثبت التجارب أنها غير صحيحة، وينبغي أن يتم
استخدام البيانات لبناء نظريات جديدة وأكثر دقة.
في الخاتمة
وتلخيصاً لما سبق ذكره في
السطور السابقة، فإن سؤال "هل الاقتصاد يعد علماً؟"، بالنسبة لي، يمتلك
نفس إجابة السؤال "هل تطور البشر من القردة؟":
ليس تماماً... ولكننا في
الطريق إلى ذلك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق