ترجمة/ عمرو خليل السعيد
مقدمـة: في سيـاق التجارة البينية الأفريقيـة:
موانجي س. كيميني، زينيا أ. لويس و براندون روتمان، مبادرة معهد بروكينجز للنمو في أفريقيا
تغطى أفريقيا ما يقارب 30 مليون كيلو متر مربع، وتعد ثاني أكبر قارة في العالم من حيث المساحة، كما أنها تبلغ ثلاثة أضعاف حجم الولايات المتحدة الأمريكية. ومع ذلك فإنها من المنظور الاقتصادي تعد صغيرة للغاية، ففي عام 2010 كان الناتج المحلي الإجمالي لها 1.6 ترليون دولار تقريبا مقارنة بالولايات المتحدة الأمريكية 14.5 ترليون دولار. وفي ظل هذا الامتداد الاقتصادي الصغير، فإن التعاون التجاري بين الدول الأفريقية سوف يكون حاسماً في خلق النمو الاقتصادي ورفع مستويات المعيشة بالنسبة للكثيرين في القارة.
دافـــــــــــع التكامــــــــل:
على الرغم من أن التجارة البينية ليست حلاً سحرياً للتنمية، إلا أنها ضرورية. حيث تستطيع أن تساعد الصناعات في القارة لكي تصبح أكثر قدرة على المنافسة من خلال خلق وفورات الحجم (النطاق) وإخراج المنتجين الأقل إنتاجية من السوق. كما أنها تستطيع إنشاء وتعزيز سلاسل القيمة للمنتجات وتسهيل نقل التكنولوجيا والمعرفة عبر الآثار غير المباشرة. كما أنها تستطيع تحفيز وتشجيع عملية تطوير البنية التحتية وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر. ولهذه الأسباب، فإن تطوير وتوسيع التجارة البنية الأفريقية يعد مفتاحاً لتسريع وتيرة النمو الاقتصادي في القارة. وتعد التجارة البينية هامة بشكل خاص لكثير من البلدان غير الساحلية الصغيرة في القارة التي تواجه تحديات هائلة في التجارة الدولية، ولكن لسوء الحظ فإن التجارة البينية الحالية في القارة تعد ضعيفة، حيث لا تزيد عن 10% من إجمالي تجارة القارة. ذلك أن معظم صادرات القارة تذهب إلى البلدان المتقدمة، كما أن معظم ورادتها تأتي من نفس البلدان (الشكل 1).
وتتمتع مناطق أخرى في العالم بمستويات أعلى بكثير من التجارة البينية. ففي الدول النامية الآسيوية تصل معدلات التجارة البينية بينها كنسبة من تجارتها الإجمالية في عام 2010 ما يقارب 17%. أما بالنسبة للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي فتصل تجارتها البينية إلى أكثر من 60%. ومن المقلق أن التجارة البينية الأفريقية لا تبدو أنها متقاربة مع تلك المستويات العالمية، حيث لم تحدث في السنوات الأخيرة سوى تحسينات هامشية فقط ( الجدول 2).
ولكن هناك أسباب لبعض التفاؤل، حيث تشير بعض المؤشرات إلى أن التجارة غير الرسمية التي لا يتم احتسابها في الإحصاءات الرسمية تشارك على نطاق واسع في القارة. فعلى سبيل المثال تشير التقديرات إلى أن أوغندا قامت بتصدير 231 مليون دولار من السلع بشكل غير رسمي إلى الخمس دول التي لها حدود مشتركة معها عام 2006، ويمثل هذا الرقم ما يقارب 86% من حجم صادراتها الرسمية إلى تلك الدول (ليسيه ومويزيه – ليمان 2009). ولكن السؤال لماذا تحدث التجارة غير الرسمية؟ الإجابة الوحيدة على هذا التساؤل هي الاستجابة العقلانية للتكاليف والروتين الذين يتضمنه تصدير أحد المنتجات من خلال الاقتصاد الرسمي (قضية تم مناقشتها أدناه). وبهذا المعنى فإن وجود التجارة غير الرسمية يرتبط ارتباطاً وثيقاً بوجود التجارة الرسمية. مما يعني أن معالجة الأسباب الجذرية للتجارة غير الرسمية تؤدي أيضا إلى معالجة العوامل التي تقوض التجارة الرسمية. هذا فضلا عن أن التجارة غير الرسمية تحرم الحكومات الوطنية من الإيرادات الجمركية والعملة الأجنبية، مما يعيق قدرتها على تشكيل السياسات التجارية المناسبة، كما أن التجارة غير الرسمية غالبا ما تؤدي إلى الرشوة والفساد.
ويتضح من الإحصاءات الرسمية أن أكبر الاقتصادات في أفريقيا هي كذلك أبرز الشركاء التجاريين داخل القارة ( جدول 3). فعلى سبيل المثال، تعد جنوب أفريقيا أكبر اقتصاد في القارة، كذلك تعد أكبر مستورد ومصدر داخل القارة. ففي عام 2010 قامت جنوب اأفريقيا بتصدير ما يزيد عن 12 مليار دولار من البضائع، واستوردت ما قيمته 7 مليار دولار من البضائع من بقية بلدان القارة. كذلك نيجريا التي تعد ثالث اقتصاد في القارة وتمثل ثاني أكبر مصدر داخل القارة. وكما يتضح من (الشكل 2 ) فإن تجارة هاتين الدولتين لا تتناسب مع بقية البلدان المجاورة – وهي السمة الرئيسية لتجارة كثير من بلدان القارة.
الفرص والتحديات
هناك مجموعة من العوامل الرئيسية التي تؤثر على زيادة مستويات التجارة البينية الأفريقية هي، التكامل الإقليمي، والتنوع الاقتصادي، الصراعات، قضايا الحدود، والبنية الأساسية. وسوف تقدم المناقشات القصيرة التالية معلومات أساسية عن كل عامل من تلك العوامل، وإلى حد ما ستمثل إطاراً عاماً لما تبقى في هذا التقرير.
التكامل الإقليمي
تتسم أفريقيا بعدد كبير من الأسواق غير الساحلية الصغيرة جداً، لهذا تعتمد على جيرانها بشكل كبير، مما يجعل من الضروري اقتصاديا وجود تكامل إقليمي بين تلك البلدان. وقد ظهرت المجموعات الاقتصادية (RECs) لهذا السبب، وحاليا كل بلد أفريقي هو عضو في مجموعة اقتصادية واحدة على الأقل، بل إن بعض البلدان الأفريقية تشترك في جماعة أو أكثر، الأمر الذي قد يكون له بعض العيوب. حيث يرى بعض المراقبين أن تعدد تلك العضويات قد يؤدي إلى إعاقة التكامل الإقليمي والتجارة البينية بدلاً من تعزيزها، فمن الممكن أن تفرض تلك العضويات تكاليف باهظة من حيث الوقت والطاقة والموارد على الحكومات الأفريقية، كما يمكن أن تجبرهم على تزييف اللوائح التنافسية.
ومع ذلك، فقد نجحت بعض الجماعات الاقتصادية الإقليمية في تنفيذ بعض أهدافها المعلنة. فقد استطاع الاتحاد الجمركي للجنوب الأفريقي على سبيل المثال في إحراز تقدماً كبيراً في السماح لعوامل الإنتاج التحرك بحرية، وكذلك في خلق تعريفة مشتركة على السلع الواردة من الدول الخارجية، وكذلك في إزالة العوائق البينية. كذلك أنشأ الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا نظاما لمراجعة السياسات الاقتصادية الكلية للدول الأعضاء بانتظام، كذلك وضع في إعتباره وجود هيكل محاسبة مشترك، وإنشاء سوق أوراق مالية يغطي المنطقة. وقد شهدت الجماعات الاقتصادية الأخرى نجاحاً أقل. حيث أخفقت كل من المجموعة الاقتصادية لدول البحيرات العظمى والمجموعة الاقتصادية لدول وسط افريقيا في محاولاتهما لإزالة التعريفات الجمركية على المنتجات المصنعة في مناطقهما. وقد أدت نتائج تلك السياسات إلى تأثير كبير على مستوى التجار البينية بين تلك الجماعتين (انظر الجدول 4)- وبالتالي على التجارة البينية الأفريقية ككل.
التنويع الاقتصادي
إن العديد من الدول الأفريقية تتخصص في نفس المنتجات التي تتخصص فيها جيرانها، خاصة البترول والغاز الطبيعي. مع عدد قليل من السلع التكميلية التي يمكن أن تتبادل مع بعضها البعض، مما يعني أن هذه الدول لا تستطيع تحقيق مكاسب عن طريق المزايا النسبية. وبعبارة أخرى، فإن عدم قدرتها على التنويع الاقتصادي يحد– أو يقلل – من فائدة التجارة البينية الأفريقية. كما أن العكس صحيح أيضا، فإن عدم وجود تجارة بينية يحد من قدرة هذه الاقتصادات على أن تصبح أكثر تنوعا.
الصراع
إن التوتر السياسي، والصراع والعنف يقلل من قدرة الدول الأفريقية على الدخول في التجارة البينية. فهذه العوامل تؤدي إلى انخفاض مستويات النمو الاقتصادي، وتدمير البنية الأساسية التي يتم استخدامها في التصدير، وكذلك خفض مستويات التكامل الإقليمي.
البنية الأساسية
البنية الأساسية كانت دائما قضية رئيسية بالنسبة لأفريقيا، وخاصة لبلدان أفريقيا جنوب الصحراء، حيث يؤدي نقص البنية الأساسية إلى انخفاض النمو الاقتصادي والإنتاجية، ورفع تكاليف النقل. ووفقاً لتقرير صادر عن اللجنة الاقتصادية للأمم المتحدة في عام 2010، فان 30% فقط من الطرق الأفريقية ممهدة، ونتيجة لذلك، فإن شحن سيارة من اليابان إلى أبيدجان تكلف 1500 دولار أمريكي، في حين شحن نفس السيارة من أديس أبابا إلى أبيدجان يكلف 5000 دولار (اللجنة الاقتصادية لأفريقيا التابعة للأمم المتحدة، الاتحاد الأفريقي وبنك التنمية الأفريقي 2010).
كذلك الموانئ البحرية الأفريقية لديها مشاكلها الخاصة. ويقدر التقرير نفسه أن إنتاجية ميناء في القارة لا يتعدى 30% فقط من المعيار الدولي. ومن المرجح أن جزءاً من السبب في هذا الأداء الضعيف هو الاستخدام غير المتكافئ لموانئ القارة. حيث تتعامل 6 موانئ فقط من موانئ القارة البالغ عددها 90 ميناء ( 3 في مصر و 3 في جنوب افريقيا) مع 50% من تجارة القارة. كذلك فأن التكلفة تؤثر على أداء الموانئ الأفريقية، فميناء ديربان يعد من أكثر الموانئ ازدحاما في أفريقيا جنوب الصحراء، لهذا فإن تكلفة شحن السفن في هذا الميناء أكثر ارتفاعاً من أي ميناء آخر في العالم، ولهذا فإنه يضاعف تكاليف الشحن العالمية.
وتقف بيئة الجمارك السيئة للغاية عقبة أخرى أمام التجارة البينية الأفريقية. فالرسوم العالية التي تتقاضاها مكاتب الجمارك هي جزء من المشكلة، فطبقا لتقرير الأعمال 2011، فإن أفريقيا جنوب الصحراء هي المنطقة الأكثر غلاءا في العالم من حيث التجارة البينية (البنك الدولي ومؤسسة التمويل الدولية 2011). كما أن تكاليف تأجيل الأعمال هو أمر آخر، فطبقاً لنفس التقرير يتضح أن تأجيل الأعمال يصل إلى ثلاثة أضعاف أي مكان آخر في العالم. وتعد البيروقراطية المفرطة هي أحد الأسباب في ذلك. وقد وصف الأمين العام السابق لجماعة شرق أفريقيا الازدحام على الحدود بين زامبيا وزيمبابوي بأنه يعج بالأوراق والإجراءات المتكررة التي يمكن أن ترتبط بأكثر من 15 وكالة حكومية (البنك الدولي ومؤسسة التمويل الدولية 2011).
معاينة التقرير
لقد طلبت بعثة الاتحاد الافريقي في واشنطن من مبادرة النمو في أفريقيا بمعهد بروكينجز المساهمة بالأفكار العملية لزيادة التجارة البينية الأفريقية، وذلك لوضعها في الاعتبار من قبل الاتحاد الأفريقي. وتسلط السياسات الواردة في هذا التقرير الضوء على العقبات التي تعوق التجارة البينية، وكذلك توفر دراسات خاصة بحالة كل دولة والتوصيات المدروسة في هذا الشأن. ومن المؤمل أن يجد الاتحاد الأفريقي وغيره من أصحاب المصلحة في أفريقيا هذا التحليل مفيداً في تعزيز التجارة البينية في القارة. وتغطي هذه السياسات المختصرة الموضوعات التالية:
· يقدم "جون بيج" رؤية واسعة عن التجارة البينية الأفريقية مع التركيز بشكل خاص على دورها في الاقتصاد العالمي.
· يفحص "أولميد تايو ونيلفر مويو" الحواجز أمام حركة البضائع والأفراد داخل البلدان الأفريقية. ويقدمان استراتيجيات للقضاء على الحواجز الداخلية أمام التجارة كشرط أساسي لزيادة التجارة البينية في أفريقيا.
· يناقش "موانغي س. كيميني، زينيا أ. لويس وبراندون روتمان" كيف تؤدي التجارة الخارجية والتجارة عبر الحدود إلى تعزيز التجارة البينية الأفريقية.
· يعتبر "موانغي س.كيميني وجيسيكا سميث" أن هناك قضيتان تعيقان حركة الناس في أفريقيا جنوب الصحراء، ويعتقدان أنها يمكن أن تعالج من خلال تحسين تنسيق السياسات والقدرة على إدارة الحدود.
· يدرس "آن كاماو" إمكانات التعاون الوظيفي بين الشركاء التجاريين الأفارقة، كبديل لاتحادات السوق والعملة، لتعزيز التجارة البينية.
· يصف "أغسطس مولوفي، بول كامو، سيمون جيثوكو وموسيس إيكيارا" الأداء التجاري في كينيا، والحواجز المؤسسية لزيادة التجارة، والسياسات التي من ِشأنها التخفيف من حدة المشاكل المرتبطة بها.
· يدرس "لورانس أوسينو" الحواجز أمام التجارة البينية الأوغندية داخل جماعة شرق أفريقيا والسوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا، ويقترح الحلول لتحسين التجارة داخل هذه الجماعات.
· يصف "لويس ن.شيتي و أ.و.أديوي" الحلول لزيادة التجارة النيجرية المحدودة داخل الجماعة الاقتصادية لغرب أفريقيا.
ما أهمية التجارة البينية الأفريقية: العمل محليا للوصول للعالمية
جون بيج، مبادرة معهد بروكينجز للنمو في أفريقيا
تمتلك جهود التكامل الاقتصادي تاريخاً طويلاً في أفريقيا. وقد أدى وجود عدد كبير من الاتفاقيات التجارية التفضيلية الموقعة في العقود الخمسة الماضية إلى "وعاء اسباغتي" من المنظمات الأقليمية المتشابكة والمتداخلة. فكل بلد أفريقي هو جزء من اتفاقية إقليمية واحدة على الأقل، والعديد من الدول هي أعضاء في خمس إتفاقيات أو أكثر. وعلى الرغم من هذه الجهود فإن التجارة البينية الأفريقية ما تزال منخفضة. حيث تعد الصادرات البينية أقل من 10% من إجمالي الصادرات الأفريقية. وتقدر النماذج حجم التجارة المتوقع بين البلدان على أساس الحجم الاقتصادي والبعد الجغرافي وغيرها من الخصاص، أن التجارة بين الاقتصادات الافريقية هي أقل من المستويات المتوقعة (البنك الدولي، 2009),
وقد أطلق الاتحاد الأفريقي مؤخراً جهوداً أخرى لتعزيز التجارة البينية. وعلى الرغم من الحاجة الماسة لتلك المبادرات، إلا أنها ليس لذات الأسباب التي طرحها القادة الأفارقة. فمع حجم اقتصادي إجمالي يساوي نظيره الكندي، فان السوق الإقليمي الأفريقي يستطيع أن يكون مكمل للسوق العالمي، إلا أنه لا يستطيع أن يكون بديلا عنه. ويمكن للإقليمية المفتوحة Open regionalism – باستخدام الاتفاقيات الاقليمية كوسيلة للوصول الى التكامل التام مع الاقتصاد الدولي –، أن تكون أداة في حل المشكلة الأكثر إلحاحاً في القارة وهي نقص التحول الهيكلي.
لماذا التحول الهيكلي مهم
إن التحول الهيكلي - حركة العمال من الانتاجية المنخفضة الى الانتاجية المرتفعة - هو محرك رئيسي للنمو الاقتصادي ومصدر للعمل الجيد، ولأكثر من عامين فقد تخلف "التحول الهيكلي" في أفريقيا. فبينما حركة العمالة من الانتاجية المنخفضة الى الانتاجية المرتفعة في آسيا قد أدى إلى ارتفاع النمو الاقتصادي وارتفاع دخول الأسر. إلا أنه في افريقيا فقد حدث التحول الهيكلي في الاتجاه المعاكس، فعلى مدى السنوات العشرين الماضية تحولت العمالة من الانتاجية المرتفعة إلى الإنتاجية المنخفضة، مما أدى إلى انخفاض النمو الإجمالي وتباطؤ وتيرة الحد من الفقر (ماكميلان ورودريك 2011، بيج 2011). وبدون تغيرات كبيرة في الهيكل الاقتصادي فإن افريقيا ستظل غير قادرة على خلق فرص عمل جيدة كافية وستظل عرضة للصدمات والانخفاضات طويلة الأجل في أسعار السلع الأساسية.
تحدي التنافسية في أفريقيا
تعد الصناعة في كل من النظرية الاقتصادية والتاريخ، القطاع الرئيسي الذي يؤدي إلى عملية التحول الهيكلي. وعلى الرغم من أن إنتاجية العامل الأفريقي في القطاع الصناعي أكثر من ثلاثة أضعاف إنتاجيته في القطاع الزراعي، إلا أن الغالبية العظمى من اقتصادات أفريقيا تفتقر إلى الصناعة والخدمات القادرة على المنافسة عالمياً. وقد تميزت فترة الثمانينات والتسعينات بتحول في الإنتاجية الصناعية خارج القارة، إلا أن حصة أفريقيا من التصنيع كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي أقل من نصف المتوسط بالنسبة للدول النامية. كما أن هذه الحصة في إنخفاض مقارنة بالدول النامية، حيث انخفضت حصة القارة من التصنيع العالمي (ما عدا جنوب أفريقيا) من 0.4% في عام 1980 إلى 0.3% عام 2005، كذلك انخفضت مساهمتها في صادرات العالم من 0.3 إلى 0.2% (يونيدو 2009). وقد رافق هذا الانخفاض في الإنتاج الصناعي والصادرات الأفريقية انخفاضا في تنوعها وتعقيدها.
التوغل إلى السوق العالمي
فيما يتعلق بتلك الاقتصادات الأفريقية التي لا تمتلك موارد طبيعية فإن السوق العالمي يمثل الفرصة الوحيدة لزيادة النمو الصناعي بها. فإذا استطاعت الصين والهند الاستمرار في نموهما السريع، فإن أساسيات تكاليف الموقع والعمالة المتعلقة بالصناعات كثيفة العمل ستفضل الإنتقال إلى التواجد في الدول الأقل دخلاً. ومع ذلك فإنه ليس من المضمون إنتقال تلك الصناعات كثيفة العمالة إلى أفريقيا. حيث ستكون القارة مضطرة أن تنافس الاقتصادات المنخفضة الدخل في أماكن مختلفة.
إن التغيرات في هيكل التصنيع العالمي قد يساعد في ذلك. فمنذ حوالي 1980 قفزت عملية تصنيع العديد من المنتجات إلى الإنتاج القائم على أساس "المهام"، مما يعني أن تلك المهام تنتقل حيث تواجدت التكاليف الأقل. وقد استطاع مؤخراً المصنعون الفيتناميون استغلال تلك الفرصة في التوغل إلى السوق العالمي، كذلك فإن على أفريقيا إدخال نفسها إلى التجارة العالمية القائمة على "المهام".
العمل محليا للوصول إلى العالمية
إن التكامل الإقليمي الفعال يمكن أن يدعم التصنيع في أفريقيا. حيث تؤدي حرية حركة السلع عبر الحدود إلى زيادة الضغوط التنافسية على الشركات القائمة في المنطقة وكذلك خلق إمكانيات جديدة للإنتاج المستند إلى "المهام" الذي يركز على الأسواق الخارجية. كما أن فرصة التصدير للدول المجاورة تستطيع أن تدعم الشركات المصدرة في التعرف على كيفية الدخول إلى الأسواق الخارجية البعيدة، والعثور على الموردين والعملاء الأجانب، وكذلك بناء وفورات النطاق/ الحجم.
إن الحجم الصغير للاقتصادات الأفريقية وحقيقة أن العديد من تلك البلدان غير ساحلية يجعل من نهج التكامل في مجالات البنية الأساسية والمؤسسية والأطر التشريعية المتعلقة بالتجارة (مثل إدارات الجمارك وسياسات المنافسة، وتنظيم النقل) وكذلك الخدمات الأخرى المتعلقة بالنقل أمراً ضرورياً وحتمياً. فبالنسبة للمصدرين في الدول الغير الساحلية فإن كل من فقر البنية الأساسية في دول الجوار، واقتصادات تلك البلدان، وإلإجراءات واللوائح الجمركية غير المتسقة، والضرائب "غير الرسمية" في ممرات النقل، كل ذلك يقلل من عدد مرات العبور إلى الساحل مع ارتفاع التكاليف.
ويتعين على الحكومات الوطنية في أفريقيا ترشيد عضويتها في التكتلات التجارية الإقليمية وتمكين المنظمات الإقليمية من وضع استراتيجيات تنمية إقليمية متماسكة وحل مشاكل العمل الجماعي بين الدول الأعضاء. كما أن التنفيذ الإقليمي لاستثمارات الطاقة والنقل يعد ضرورة ماسة. كذلك ضرورة وجود قدرة لدى الجماعات الاقتصادية الإقليمية على تطوير مشروعات قابلة للتمويل، وذلك للقيام بعمليات الرصد والتقييم وضمان إدارة مالية مناسبة.
إن شركاء التنمية في أفريقيا لم يدعموا التكامل الإقليمي بشكل قوي، حيث يفضلون التعامل مع الدول الأفريقية بشكل فردي بدلا من التعامل مع المنظمات الإقليمية والحد من الإلتزامات المالية تجاه المشروعات العابرة للحدود. ولهذا ينبغي على هؤلاء المانحين جعل المنظمات الإقليمية هي المؤسسات القائدة في الحوار حول الاستراتيجيات والبرامج الإقليمية. كذلك ينبغي على هؤلاء المانحين بذل جهوداً أكبر لتنسيق دعمهم لتلك المنظمات الإقليمية، من خلال تخفيض تقديم منح خاصة للاقتصادات الأفريقية، وضرورة توحيد تلك المنح وربطها بالاستراتيجيات الإقليمية للمنظمات الأفريقية المختلفة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق