السبت، 26 أغسطس 2017

ماذا تعرف عن "اقتصاد البجعة السوداء"؟!




لعلك تسمع وتقرأ دائماً في الكثير من الكتب والأوراق الاقتصادية عن هذه العبارات المتكررة باستمرار، عن سهولة التنبؤ بالأحداث والظواهر الاقتصادية، كون أن التاريخ الاقتصادي هو سلسلة من الأحداث المتكررة بشكل متماثل. لكن ماذا لو أن هذا غير صحيح، وتفاجئناً جميعاً في لحظة ما بوقوع أحداث وأزمات اقتصادية غير متوقعة على الإطلاق.
إن هذا هو ما نقصد به "اقتصاد البجعة السوداء"، والذي يدعو إلى ضرورة آخذ الحيطة والحذر تجاه كل ما هو غير متوقع، بدلاً من محاولة التأكيد على أنه يمكن التوقع بكل شئ، لأن الأزمات المالية التي وقعت في القرنين العشرين والواحد وعشرين قد أكدت أنه لا يمكن التنبؤ بكل شئ في علم الاقتصاد.
في البداية يجب الإشارة، إلى أن هذا المفهوم "أحداث البجعة السوداء"، يرجع إلى الأديب والرياضياتي والخبير في شؤون الرياضيات المالية "نسيم نقولا نجيب طالب"، وهو أمريكي من أصول لبنانية، استطاع عبر خبرته الطويلة في العمل في الشركات المالية في وول ستريت في نيويورك، أن يصل إلى نظرية جديدة أطلق عليها "نظرية البجعة السوداء"، وهذه النظرية تصلح لتطبيقها في الكثير من العلوم بما فيها علم الاقتصاد وتطبيقاته المختلفة، وقد جاءت تلك النظرية في كتابه "البجعة السوداء: تداعيات الأحداث غير المتوقعة" الصادر عام 2007.
فعلى سبيل المثال، يُعتبر الانهيار المالي لسوق العقارات في الولايات المتحدة عام 2008 من أشهر أحداث البجعة السوداء، فبحسب تقييمات عام 2016، كان للانهيار المالي الذي أعقب هذه الأزمة وقع كارثي وعالمي ولم يتوقع حدوثه سوى بعض الأشخاص البعيدين عن الساحة.
وفي عام 2008 أيضاً، شهدت زيمبابواي أسوأ حالة تضخم مفرط في القرن الواحد والعشرين، وسجّل التضخم معدّل فاق 79,6مليار% ومن المستحيل توقّع مثل هكذا معدّل للتضخم وهو كفيل بتحطيم البلاد مالياً.
كما تُعتبر فقاعة الإنترنت التي حصلت عام 2001 حدثاً آخر من أحداث البجعة السوداء وهو مشابه لأزمة 2008 المالية. كانت الولايات المتحدة تستمتع بنمو اقتصادي سريع وزيادة في ثروات الأفراد قبل انهيار الاقتصاد بشكل كارثي. وبما أنّ الإنترنت كانت في بداياتها في مجال الاستخدام التجاري، استثمرت عدة صناديق استثمارية في شركات التكنولوجيا وأفرطت في تقدير قيمتها. سُجّلت هذه الشركات خسائر كبيرة وتلقّى المستثمرون صفعة موجعة. بما أنّ القطاع الرقمي كان جديداً، كان تقدير الانهيار شبه مستحيل.
ويقول "طالب" في كتابه "إن أدوات فهمنا لما يجري في وول ستريت تطورت خلال القرنين الماضيين، وهي باتت عتيقة. نحتاج الآن إلى أدوات جديدة، لأن سوء الفهم (لطبيعة التطورات الاقتصادية) أصبح ضخماً وكلّف في الأزمة الراهنة تريليون دولار من الخسائر حتى الآن".
إن جوهر أدوات التحليل الجديدة التي يدعو إليها "طالب" يستند إلى مبدأ عدم اليقين نفسه الموجود في علم فيزياء الكم. لكن "طالب" لم يكتشفه من الفيزياء بل من الملاجئ تحت الأرض التي كان يختبئ فيها هو وعائلته خلال الحرب الأهلية اللبنانية. فقد مكّنه ذلك من الانكباب الكثيف على دراسة الاقتصاد والفلسفة. وكان الحدث الأبرز بالنسبة إليه هو ربحه 8 ملايين دولار في البورصة عن طريق الصدفة، الأمر الذي دفعه إلى بدء تطوير نظرية البجعة السوداء التي تدعو إلى انتظار غير المنتظر في الاقتصاد.
أما عن سبب إختياره هذا المصطلح "البجعة السوداء". فإن مصطلح البجعة السوداء يأتي من الافتراض الأوروبي في القرن 17 أن جميع البجع أبيض. وبالتالي كان مصطلح بجعة سوداء رمزا لشيء ما كان مستحيلا أو لا يمكن أن يوجد. ولكن في القرن 18 تم اكتشاف البجع الأسود في أستراليا الغربية. الأمر الذي أكد ضمنياً أن الاستحالة المتصورة في الواقع قد أصبحت غير حقيقية.
ويحدد "طالب" هوية وماهية مفهوم حدث "البجعة السوداء"، "بعناصره الثلاث وهي:
أولاً، هو حدث غير متوقع تماماً،
ثانياً، أن له تأثير هائل،
وثالثاً، أن دماغنا سوف يجتهد بعد حصوله، للبحث عن الأسباب المنطقية التي أدت إليه".
كما يتخذ العديد من الأمثلة على وقوع هذه النوعية من الأحداث في مجمل أوجه الحياة السياسية والعامة، كالحرب العالمية الثانية، أو أحداث 11 أيلول في الولايات المتحدة الأميركية، أو حصول التسونامي، كما في الحياة الاقتصادية كالأزمات المالية الحادة والانهيارات المفاجئة التي يعانيها الاقتصاد، وفي الطبيعة، كظهور أنواع جديدة من الميكروبات والفيروسات التي سببت أمراض مفاجئة للإنسان، وأيضاً في حياة الفرد الشخصية والخاصة.
ويقدم المؤلف من خلال هذا الكتاب، دعوة مفتوحة للجميع، لإعادة النظر والتساؤل من جديد حول كل ما يعتبر أمراً بديهياً، فما من يقين فعلي ودائم لأي فكر أو قناعة أو توجه في مسيرة الحياة بشكل عام، ولا لمسيرة الفرد الشخصية، نتيجة وجود هذه "البجعات السوداء" التي لا يضعها الإنسان في الحسبان، ونتيجة إهماله لمقاربتها، في حين أن حدوثها سيؤدي إلى قلب حياته رأسا على عقب.
ولذا فهو يدعو إلى تواضع هؤلاء الذين يعتبرون أنفسهم "خبراء" في مختلف ميادين الحياة، وليضعوا حسبان "اللايقين" في أقوالهم واستنتاجاتهم وخططهم المستقبلية، وليتذكروا على الدوام الدور الكبير والهائل الذي يمكن للصدفة أن تلعبه في تغيير مجرى الأمور وحتى نسف وإبادة المعطيات التي تبنى عليها أسس تنظيم الحياة حاضراً، كما أسس رؤيتها مستقبلاً. وليتوقع الإنسان ما هو غير متوقع. لأن "التطرف، والمجهول وغير المتوقع هي ما يتحكم بعالمنا"، كما يقول الكاتب.

ولمزيد من الإطلاع على "نظرية البجعة السوداء"، يمكنه تحميل الكتاب من هنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق