النفط تحت نيران الجغرافيا السياسية: توترات الشرق الأوسط تعيد علاوة المخاطر إلى الواجهة
قفزت أسعار خام برنت بنسبة 4.3% في تعاملات الأربعاء لتغلق عند 69.8 دولارًا للبرميل، مسجلة أعلى مستوى لها منذ شهرين، وأقوى مكاسب يومية منذ أكتوبر 2024. هذه القفزة جاءت في وقت حساس تشهده المنطقة، مع تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة، وإسرائيل، وإيران، الأمر الذي أعاد علاوة المخاطر الجيوسياسية إلى سوق النفط العالمية بعد فترة من الهدوء النسبي.
في خطوة تشير إلى تصاعد احتمالات المواجهة، أعلنت واشنطن سحب موظفيها غير الأساسيين من سفاراتها في العراق والكويت والبحرين، تحسبًا لضربة إيرانية محتملة على الأصول الأمريكية في حال أقدمت إسرائيل على تنفيذ تهديداتها بضرب منشآت نووية إيرانية. وفي تصريح يزيد من قتامة المشهد، عبّر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن تآكل ثقته بإمكانية التوصل إلى اتفاق نووي مع طهران، ما يرفع سقف التوقعات بانزلاق الأمور نحو مواجهة مباشرة في حال فشل المسار الدبلوماسي.
ولا يقف دعم أسعار النفط عند حدود الجغرافيا السياسية. فقد جاء التقرير الأسبوعي لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية (EIA) ليعزز الاتجاه الصعودي، مع تسجيل سحب قدره 3.6 مليون برميل من المخزونات التجارية للأسبوع المنتهي في 6 يونيو، وهو ما يفوق بكثير التوقعات البالغة 2 مليون برميل. كما أصدرت الوكالة توقعًا لافتًا بأن إنتاج الخام الأمريكي سيتراجع في عام 2026 ليبلغ 13.37 مليون برميل يوميًا، بانخفاض طفيف نسبته 0.3% على أساس سنوي، مدفوعًا بانخفاض الأسعار، وتراجع عدد منصات الحفر، وتباطؤ مكاسب الإنتاجية في حوض بيرميان – عماد ثورة النفط الصخري الأمريكي.
هذا الانعكاس المحتمل في منحنى الإنتاج الأمريكي، إن تحقق، سيكون الأول منذ عام 2021، ويعني أن سوق النفط قد تدخل مرحلة جديدة تتطلب إعادة تقييم التوازنات التقليدية بين العرض والطلب.
وبينما تعود المخاطر الجيوسياسية إلى الواجهة، وتلوح في الأفق صفقة تجارية محتملة بين واشنطن وبكين، بات خام برنت يتداول مجددًا قرب عتبة 70 دولارًا للبرميل، وهو المستوى الذي فقده منذ إعلان "تعريفات يوم التحرير" في أبريل، ورفع تحالف "أوبك-8" إنتاجه بشكل مفاجئ في مايو.
ما نشهده اليوم ليس مجرد تقلبات موسمية في أسعار النفط، بل عودة قوية لعوامل الخطر الجيوسياسي كعنصر مهيمن على تحركات السوق، وسط تباطؤ محتمل في الإنتاج الأمريكي، وتغيرات في خريطة التحالفات والتهديدات الدولية. وفي ظل هذه المعطيات، يبقى التساؤل الأهم: هل نحن على أعتاب دورة صعودية جديدة لأسعار النفط؟ أم أن هذه القفزة مؤقتة في ظل هشاشة الطلب العالمي؟
تعليقات
إرسال تعليق