ماذا تعرف عن المصطلح الاقتصادي "المرض الهولندي"؟
في عالم الاقتصاد، ليست كل الطفرات المالية نعمة دائمة، فقد تؤدي بعض الاكتشافات أو المكاسب المفاجئة إلى نتائج عكسية تُضعف الاقتصاد بدلًا من أن تقويه. من بين هذه الظواهر ما يُعرف بـ "المرض الهولندي" (Dutch Disease)، الذي يحوّل الثروات الطبيعية إلى تحديات هيكلية.
في هذا المقال، نستعرض مفهوم المرض الهولندي، أسبابه، آثاره، أبرز الأمثلة العالمية، وكيف يمكن تفاديه.
ما هو المرض الهولندي؟
المرض الهولندي هو مصطلح اقتصادي يُستخدم لوصف الحالة التي تؤدي فيها الطفرة في صادرات الموارد الطبيعية إلى ارتفاع قيمة العملة المحلية، مما يضرّ بالقطاعات الإنتاجية الأخرى مثل الصناعة والزراعة، ويؤدي في النهاية إلى اختلالات اقتصادية هيكلية.
ظهر المصطلح لأول مرة عام 1977 في مجلة The Economist لوصف ما حدث في هولندا بعد اكتشاف الغاز الطبيعي في بحر الشمال خلال الستينيات، حيث أدى تدفق العملات الأجنبية إلى تراجع في الصناعات غير النفطية.
آلية عمل المرض الهولندي
يمكن تلخيص الآلية في ثلاث خطوات رئيسية:
-
اكتشاف أو ارتفاع في صادرات الموارد الطبيعية → تدفق كبير للعملة الأجنبية.
-
زيادة الطلب على العملة المحلية → ارتفاع قيمتها (تقدير العملة).
-
تراجع تنافسية الصناعات الأخرى بسبب ارتفاع تكاليف التصدير، مما يؤدي إلى انكماش في القطاعات غير المرتبطة بالموارد.
الآثار الاقتصادية للمرض الهولندي
-
ضعف التنويع الاقتصادي: تركز النشاط الاقتصادي في قطاع واحد (مثل النفط أو الغاز).
-
بطالة هيكلية: فقدان الوظائف في الصناعات التحويلية والزراعية.
-
اختلال ميزان المدفوعات: الاعتماد على صادرات سلعة واحدة يؤدي إلى تذبذب في العائدات.
-
الركود التضخمي: رغم توفر السيولة، تتراجع الإنتاجية وتزداد الأسعار.
أمثلة دولية بارزة
-
هولندا: أصل المصطلح بعد اكتشاف الغاز في الستينيات.
-
نيجيريا: تأثرت صناعاتها غير النفطية سلبًا بسبب الاعتماد المفرط على النفط.
-
روسيا وفنزويلا: تراجعت قطاعات الصناعة والزراعة لصالح قطاع الطاقة.
-
دول الخليج: رغم تحقيقها فوائض مالية ضخمة، إلا أن البعض يراها عرضة لمظاهر "المرض الهولندي" ما لم تُحقق تنويعًا اقتصاديًا حقيقيًا.
كيف يمكن تفادي المرض الهولندي؟
-
إنشاء صناديق سيادية: مثل صندوق النرويج الذي يستثمر فوائض النفط خارج الاقتصاد المحلي.
-
تنويع الاقتصاد: دعم الصناعات التحويلية، الزراعة، والخدمات.
-
سياسات نقدية حصيفة: الحد من ارتفاع سعر الصرف الحقيقي.
-
استثمار العائدات في التعليم والبنية التحتية: لبناء اقتصاد قائم على المعرفة والإنتاج.
هل الدول العربية معرضة للمرض الهولندي؟
الكثير من الدول العربية المصدّرة للنفط تواجه تحديات مشابهة، حيث أن ارتفاع أسعار النفط قد يُضعف الصناعات غير النفطية إن لم تقم هذه الدول بتطبيق إصلاحات هيكلية، وتنويع مصادر الدخل، مثلما تسعى السعودية عبر رؤية 2030.
وأخيرا، فإن المرض الهولندي ليس لعنة حتمية، بل نتيجة حتمية لغياب السياسات الاقتصادية المتوازنة. ما يبدو كنعمة يمكن أن يتحوّل إلى عبء إن لم تُدار العائدات بشكل عقلاني. التحدي يكمن في تحويل الثروة الطبيعية إلى رافعة للتنمية الشاملة، لا إلى فخ اقتصادي.
تعليقات
إرسال تعليق