العمالة غير المنتظمة في قانون العمل الجديد: بين المكاسب والتحديات


تمثل العمالة غير المنتظمة إحدى القضايا المحورية في سوق العمل المصري، حيث تشكل شريحة واسعة من قوة العمل، لكنها لطالما عانت من التهميش وضعف الحماية الاجتماعية. ومع صدور قانون العمل الجديد رقم 14 لسنة 2025، جاء الباب الثالث ليضع إطارًا تشريعيًا ينظم أوضاع هذه الفئة ويمنحها قدرًا من الحماية والدمج داخل الاقتصاد الرسمي.

لكن، وعلى الرغم من هذه الخطوة المهمة، يظل التطبيق العملي مليئًا بالتحديات التي قد تحد من فاعلية هذه النصوص إذا لم تُستكمل بإصلاحات موازية.

تعريف العمالة غير المنتظمة

تشمل العمالة غير المنتظمة كل من يعمل خارج نطاق العقود الثابتة أو المؤسسات المنظمة، مثل:

  • عمال الزراعة الموسميون.

  • عمال المقاولات والمناجم والمحاجر.

  • عمال البحر.

  • الباعة الجائلون ومن يعملون في القطاع غير الرسمي.

هذه الفئات تعاني من هشاشة اقتصادية، وانعدام الأمان الوظيفي، وغياب التأمينات الاجتماعية، وهو ما حاول القانون الجديد معالجته.

أبرز المكاسب في القانون الجديد

1. إنشاء صندوق الحماية والتشغيل

تم تأسيس صندوق إعانات الطوارئ والخدمات الاجتماعية والصحية للعمالة غير المنتظمة، وهو كيان مستقل يهدف إلى:

  • صرف إعانات الطوارئ أثناء الأزمات والكوارث.

  • تقديم خدمات اجتماعية وصحية.

  • المساهمة في سداد اشتراكات التأمين الاجتماعي.

  • تمويل التدريب وتنمية المهارات.

  • دعم توفير أدوات العمل ووسائل الانتقال في المواقع النائية.

2. إلزام أصحاب الأعمال بالبيانات

ألزم القانون المنشآت بإرسال بيانات دورية عن العمالة غير المنتظمة لديهم، ما يساهم في بناء قاعدة بيانات قومية تعزز التخطيط وتدعم السياسات الاجتماعية.

3. الحماية والتأهيل

منح القانون هذه الفئات حقوقًا جديدة مثل:

  • إعانات في حالات التعطل.

  • دعم النفقات العلاجية.

  • برامج تدريبية لتنمية المهارات ورفع الإنتاجية.

التحديات وأوجه القصور

رغم هذه الإيجابيات، فإن القانون يواجه عدة ثغرات قد تحد من تأثيره:

  1. ضعف آليات التنفيذ والرقابة: لا توجد آلية واضحة للتحقق من التزام أصحاب الأعمال بتسجيل العمالة، خصوصًا في القطاعات غير الرسمية.

  2. تمويل غير مستدام: اعتماد الصندوق على نسب أرباح الشركات والتبرعات قد لا يضمن استقراره في ظل الأزمات الاقتصادية.

  3. تغطية تأمينية محدودة: لم يحدد القانون بوضوح نسب مساهمة الصندوق في اشتراكات التأمين الاجتماعي، ما يترك كثيرًا من العمال خارج المنظومة.

  4. تدريب غير موجه: النصوص فضفاضة ولم تحدد آليات عملية لربط التدريب بفرص عمل حقيقية.

  5. غياب التفاصيل عن الأجور وساعات العمل: مما قد يترك مساحة للاستغلال.

  6. ضعف سياسات الدمج الاقتصادي: القانون ركز على الحماية أكثر من الدمج الفعلي للاقتصاد غير الرسمي في المنظومة الرسمية.

  7. مركزية التنفيذ: قد تظل الخدمات متمركزة في القاهرة، ما يعيق وصول العمالة الريفية والموسمية إليها.

الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية

إذا تم تجاوز هذه العقبات، فإن تنظيم العمالة غير المنتظمة سيسهم في:

  • دمج الاقتصاد غير الرسمي وزيادة حصيلة الضرائب والتأمينات.

  • تعزيز الإنتاجية من خلال التدريب وتنمية المهارات.

  • تحقيق الاستقرار الاجتماعي عبر توفير شبكة أمان ضد الفقر والتهميش.

أما إذا ظلت التحديات قائمة، فقد يبقى تأثير القانون محدودًا، ويظل الاقتصاد غير الرسمي بعيدًا عن دائرة الدمج الحقيقي.


ختاماً، إن قانون العمل الجديد لعام 2025 يمثل خطوة جريئة نحو حماية وتنظيم العمالة غير المنتظمة، لكنه ليس الحل النهائي. نجاحه يعتمد على اللوائح التنفيذية، آليات الرقابة، واستراتيجيات الدمج الاقتصادي التي يجب أن ترافقه. وبين الطموحات والتحديات، يظل مستقبل هذه الفئة رهينًا بقدرة الدولة على تحويل النصوص القانونية إلى واقع ملموس يحقق العدالة والشمولية في سوق العمل المصري.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماذا تعرف عن "اقتصاد البجعة السوداء"؟!

كتاب EVIEWS والقياس الاقتصادي للدكتور خالد محمد السواعي

تعرف على الفرق بين الاقتصاد الواقعي والاقتصاد المثالي